اذا زرت أحد جاليريهات "صحراء" الموجودة في سيتي ستارز أو جراند حياة أو مصر الجديدة ربما تنبهر بروعة المعروضات التي تتميز جميعها بتفرد التصميم: حلي، أثواب، ستائر، أثاث ، مفارش وربما تقع تحت تأثير هذه القطع الفنية التي تغلفها روح الصحراء ولكن إذا قابلت مصممتها السيدة شهيرة فوزي وتحدثت معها ستنبهر أكثر، فهذه السيدة ليست مجرد مصممة محترفة بل هي واحدة من أبرز الأسماء العالمية في مجال تغيير الشعوب وتطوير القبائل والتي جلسنا معها لمدة ساعتين روت لنا فيهما حكاية عشقها للصحراء.
بدأت شهيرة تتذكر أحد أيام عام 77 19 وعلى وجهها ابتسامة دافئة :
الصدفة وحدها هي التي غيرت حياتي فقد كنت أدرس الإقتصاد في الجامعة الأمريكية كتخصص وبجانبه كنت أدرس العلوم الإنسانية وفي يوم من الأيام طلب مني أن اقوم بمرافقة بعثة لعمل بحث حول بحيرة ناصر ونسبة التلوث بها وهناك حدثت عاصفة جرفت السفينة لمكان يدعى خور العلاقي واضطررنا للوقوف هناك قرب الصحراء لمدة 3 أيام حتى انتهاء العاصفة وهناك استهوتني الحيوانات البرية كثيراً فكنت أراقبها بمنظاري المكبر- لأنهم حذروني من النزول من المركب - وفجأة رأيت سيدة غريبة الهيئة ترتدي ملابس بدائية وشعرها طويل ومصفف على هيئة ضفائر بها صدف فقررت النزول من المركب للتحدث معها ولكنها عندما راتني قادمة خافت وركضت وتركت ورائها طفلاً وعنزة، ظللت اترقب عودة السيدة وبالفعل جاءت ومعها رجل، حاولت أن اتحدث بالإشارة لأسئله أين نحن فقال "أبرق" وبعد فترة اكتشفت أن الخرائك كلها تؤكد انه لا يوجد سكان يعيشون هناك. في اليوم التالي تواصلنا بشكل أفضل وقاموا بتضفير شعري مثلهم وحاولنا التحدث ولكننا لم نستطع أن نفهم بعضنا سوى في أسماء الأماكن فقط.
وتعود السيدة شهيرة في إسكمال قصتها: بعد عودتي للقاهرة قلت للمسأولين بأنني عثرت على هؤلاء القوم وأن الخرائط تشير على أنه لا سكان في هذه المنطقة من الصحراء الشرقية الجنوبية فقالوا لي أن معلوماتهم صحيحة وان هذه ربما تكون قافلة عابرة، شعرت بأنني مسؤؤولة بطريقة ما عن هؤلاء البشر وقمت بتغيير مسار دراستي الأساسي من اقتصاد إلى علوم إنسانية وأجلت زفافي وقررت أن اذهب لأصور القبيلة التي اكتشفتها، لقد كانت قبيلة البشارية، القبيلة المفقودة في مصر الحديثة. حكاية هؤلاء بدأت بعد أن هربوا من النوبة القديمة عام 63 بعد بناء السد العالي لإعقتقادهم بأنه سيل جارف سيجف بعد عدة سنوات وعبثاً حاولت أن اقنعهم أن هذا الوضع سيظل للأبد بسبب بناء السد ولكنهم لم يصدقوني وقتها فإقتنعت بأنهم فعلاً في حاجة للمساعدة.
أول ما قامت شهيرة بتعليمه للبدو كان حفر الآبار، وفي البداية لم يكن معها سوى مصروفها الشخصي فقامت بإستأجار عامل حفر وفؤجئت بأن البدو إستطاعوا التعلم بمجرد ملاحظته وسرعان ما انضم الرجال لها واتطاعوا حفر المزيد من الآبار، بعد عامين انضمت لها وكالة أوكفسام للتنمية والإغاثة واستطاعت بمساعدتهم وطوال مدة اقامتها حفر 45 بئر بين كل منها 30 كيلومتر وهي مسيرة جمل ليوم واحد.
كما تعلمت شهيرة صناعة الكليم والغزل والتطريز وتصميم وصناعة الحلي بمساعدة البدو فقررت أن تقوم بفتح أسواق لمنتجاتهم في القاهرة وبالفعل قامت بعمل معارض دورية لبيع منتجاتهم بالإضافة لبناء العديد من الإستراحات للباحثين والزوار .
بعد انثي عشر عاماً عادت شهيرة للقاهرة مرة أخرى بسبب زواجها من أحد الضباط الذين تعرفت عليهم في الصحراء الشرقية ولكنها لم تستطع التأقلم مع الأجواء القاهرية التسعينية : عدت في أوائل التسعينات للقاهرة ولمست اختلافاً كبيراً بين القاهرة التي تركتها عام 77 والقاهرة التي عدت لها وشعرت لفترة طويلة بعدم الإنتماء فلا أنا بدوية وفي نفس الوقت لا أنتمي للقاهرة. بعد فترة من مكوثي في القاهرة قمت بعدة رحلات مع اليونيسيف والأمم المتحدة جبت خلالها 16 منطقة صحراوية في مصر واليمن للنهوض بمستوى سكان القبائل كما وضعت عدة برامج تطوير وفي عام 1995 انشأت منظمة " صحراء " الغير هادفة للربح بهدف تنمية وتطوير سكان الصحاري وكل ما يتعلق بهم من فنون وتراث.
تنهي شهيرة حديثها قائلة : لا أستطيع نسيان استيقاظي في الصباح كل يوم على صوت حسن المرشد الخاص بي في الصحراء وهو يطحن " الجبنة" ومازلت حتى الآن أتناول فنجان قهوة كل يوم فور استيقاظي وهي أحد عادات الصحراء التي اكتسبتها، تعلمت من الصحراء أننا قد نبحث بعيداً عن مصدر للرزق وعن فرصة للنجاح على الرغم من أنها قد تكون تحت أقدامنا ".
لو حدث وقابلت سيدة بشوشة تتحدث بصدق عن الصحراء وتدمع عيناها وهي تتذكر أسعد أيامها مرتدية ثوباً صممته لنفسها وزينته بمقاطع من أغنيات أم كلثوم فأعلم أنها هي ..شهيرة فوزي أشهر عالمة أنثربولوجي مصرية جابت صحاري مصر على مدى 75 الف كيلومتر وكتبت العديد من المقالات عن البدو وتم عمل 8 أفلام وثائقية عن حياتها ونالت العديد من الأوسمة من الأمم المتحدة تكريماً لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق