مؤسسها الشيخ زين يمزج في فنه بين الشرق والغرب.. ومعهد العالم العربي بباريس أصدر أسطوانته الأولى
| ||
شكر خاص للمصور محمد هشام
رحلة مع فن الغناء الشعبي والإنشاد الديني ومدح الرسول الكريم، تذوق حلاوتها الشيخ زين محمود، بعد عثرات ومخاطر صادفها هنا وهناك، لكنه صمم على تحقيق حلمه، والتحليق بهذا الفن الأصيل في أفق عالمي، لم يعتده من قبل، ووسط جمهور غريب الهوى واللسان. في البداية شد الرحال إلى فرنسا، وبعد نجاحه المدوي على أرضها أصبحت محطته الأولى والأساسية، ومنها طاف معظم مدن أوروبا، وأصدر أسطوانته الأولى من إنتاج معهد العالم العربي في باريس.
من مقره الحالي بمدينة مرسيليا جنوب فرنسا، يروي الشيخ زين لـ«الشرق الأوسط» الخطوط العريضة لرحلته، والمحطات الأساسية التي ساهمت في تشكيل وجدانه الفني، وسر عشقه لهذا اللون من الغناء.
يقول الشيخ زين: «نشأت بمحافظة المنيا، عروس صعيد مصر، وكنت بالأصل مداحا أبا عن جد، واعتدت على قراءة القرآن، وعندما توفي أخي الأكبر الذي كان مداحا أيضا تركت الدراسة وعمري 13 سنة، وأخذت مكانه، لكن حلمي كان دائما أكبر من المديح، كنت أفكر في الإنشاد الصوفي والغناء الشعبي وفن الموال، لكن لأنني منضم للطريقة الشاذلية في بلدنا «بني مزار» لم يكن يصح لي أن أتجه للغناء أو حتى للإنشاد. وفي عام 1992 حدث تغير جذري في حياتي عندما استعانت بي إحدى الفرق المسرحية كمنشد ديني في مسرحية «تغريبة عبد الرازق» التي عرضت في بني مزار، وبالصدفة كان حسن الجريتلي مدير فرقة الورشة حاضرا في هذا العرض، فطلب مني أن أذهب معه للقاهرة لأعمل معه في الفرقة. ولم يدخر الأستاذ وسعا في تدريبي، حيث قدمني إلى أشهر مدربي «الفوكاليز» في مصر، كما قابلت أيضا عمي سيد الضوي أشهر منشدي السيرة الهلالية بمصر الذي علمني إنشادها، بالإضافة لمصطفى عبد العزيز عازف الأرغول وجورج كازازيان عازف العود. وفي سنة 1994 أصبحت مدربا في فرقة الورشة.
وأثناء هذه الفترة حدث تداعِ كبير في الإنشاد الديني والفن الشعبي في مصر، وتم إهمال عروضه والمسارح التي يقدم عليها، وكانت تتردد جملة ثابتة دائما على لسان المنتجين وهي «الجمهور مش عايز كده»، لكن كانت لدي ثقة في أن الجمهور لو سمع الفن الشعبي الأصيل فإنه لن يستطيع هجره، فكما يقول التعبير الصوفي «من ذاق عرف».
وبتشجيع من زوجته الإسبانية التي كانت زميلته بفرقة الورشة، قرر الشيخ زين أن يطرق باب مستمعيه في مكان آخر، فسافر إلى فرنسا. في البداية كانت اللغة عائقه الأكبر؛ حيث لم يكن يجيد الفرنسية على الإطلاق وعانى كثيرا في التعامل مع الناس. وفي مرة كان يتناول العشاء مع زوجته في أحد المطاعم الجزائرية وعلمت صاحبة المطعم بشأن غنائه فطلبت منه أن يحيي حفلا في مطعمها، فقال لها زين إنه ليست لديه فرقة موسيقية، فجلبت له طبالا وعازف غيتار، ولكن ما لم يخطر على البال أن الحفل أصبح كامل العدد. وللمرة الثانية تلعب الصدفة دورها في مشواره عندما حضر العرض بعض الأعضاء من فرقة راسنيا (واحدة من أشهر الفرق في فرنسا) وسرعان ما انطلق الشيخ زين مع هذه الفرقة تحت اسم «زمان فابريك» وقدموا أول عروضهم في مرسيليا عام 2008، لينطلق بعدها الشيخ زين في مدن أوروبا المختلفة وتصدر أسطوانته الأولى من إنتاج معهد العالم العربي بباريس.
يقضى الآن الشيخ زين يومه في مدرسته الصغيرة في مرسيليا لتعليم الغناء الشعبي والصوفي، والعزف على الطبل البلدي المصري لتلاميذ فرنسيين وعرب، وبين تدريباته مع الفرقة التي تتضمن آلة الكافال التركية والغيتار والكيبورد والبيت بوكس لتقدم الفرقة مزيجا ساحرا من الفن الشعبي المصري والفن الغربي.
حول أوبريت «حسن ونعيمة» الذي يقدمه حاليا في فرنسا، يقول: «منذ فترة طويلة وأنا أتمنى تقديم عرض ناجح مستوحى من الفولكلور المصري، وحاولت أن أقدمه في مصر ولكن لم أستطع، وعلى العكس وجدت تعاونا في فرنسا، فقدمته عن طريق مزج الموال المصري بترجمته الفرنسية الموازية في الوقت نفسه، بالإضافة إلى الرقص الشرقي والرقص بالعصا (التحطيب) والأراجوز وعرائس الماريونيت».
ويفسر الشيخ زين نجاح الأوبريت وانجذاب الفرنسيين إلى قصة حب تقليدية متوارثة بين فتاة ومطرب شعبي يرفض أهلها زواجها منه، مع اختلاف روح هذه الحكايات الشعبية تماما مع تقاليد الغرب، حيث لا يشكل الحب أي عائق أمام الرجل والمرأة، فممكن لشحاذ أن يتزوج من طبيبة دون مشكلة فبالتالي تصبح لوعة الحب شكلا مغايرا لما اعتادوا عليه، وهذا هو الوتر الدرامي الذي شدهم وجسده الأوبريت بشكل فني راق.
وحول اسطوانته الجديدة مع فرقة «زمان فابريك» وهي من إنتاجه هو والفرقة، يؤكد الشيخ زين على أن الإنتاج الغنائي عموما يعاني من أزمة في فرنسا تماما كمصر حيث يتكلف إنتاج الألبوم فقط نحو 20 ألف يورو غير التوزيع والتسويق، ولذلك ينوي البحث عن شركة تسوق الألبوم وتوزعه.
وعن الألوان الموسيقية التي يعرضها في الأسطوانة يضيف قائلا: «أقدم نوعية من الموسيقى لا يمكن تصنيفها كشرقية أو غربية خالصة حيث إنها مزيج من الاثنين وإذا سمعها الشخص العربي أو الأجنبي فإنه سيشعر بأن بها لمحة منه، وذلك لأنني أقوم بإسماع الفرقة الألحان بفمي ويقومون هم بعزفها على آلاتهم الموسيقية دون أن تكون لديهم خبرة أو وعي بالموسيقى والمقامات الشرقية. وهذا هو المزيج الذي أقصده، ونقدم توليفة من الغناء الصوفي والفولكلوري بالإضافة إلى أغنيتين من التراث الشامي وهما «يا مال الشام» و«العزوبية» لصباح فخري.
ويقضي الشيخ زين وقته بين مصر وفرنسا التي يقضي فيها أغلب الأوقات؛ حيث إن وجوده في مصر مرتبط بالحفلات التي يحييها، وقد تأثر بوجوده في فرنسا التي يعتبرها مقصدا لكل الفنون. ففي فرنسا عدد كبير من الفنانين العرب من كل الدول، مع أن الدولة لا تتحدث العربية، وعلى الرغم من هذا فإن جمهوره الأكبر يتمركز في مصر، حيث يقول: «يسمعني كثيرون في فرنسا ويحترمون فني ويقدرونه ولكني لا أستطيع أن أعتبرهم جمهوري، فجمهوري هو الجمهور المصري الذي تربطني به علاقة حميمة حيث يراسلونني من مصر ويهاتفونني وإذا أحييت حفلا في مصر فإنني لا أنام من كثرة الاتصالات التليفونية وهذا لا يحدث في فرنسا».
ومن الفنانين الفرنسيين الذين يعشق الشيخ زين الاستماع إليهم الفنان الفرنسي هنري سالفادور فهو يغني دائما له، ويشبهه البعض به حتى أنه يحاول استحضار روحه عندما يغني لأن روحه طيبة مثل ما يقول، وهو فنان كبير في فرنسا ارتبط بصوته منذ أن كان يدرب الفرنسيين في فرقة الورشة.
وعن تجربته الغنائية في الموسيقى التصويرية لعدة أفلام مصرية منها «الأولة في الغرام»، و«إبراهيم الأبيض»، و«ألوان السما السابعة»، و«جنينة الأسماك». يقول: «أحب أغنية (يبكي ويضحك) التي غنيتها في فيلم (باب الشمس) للمخرج يسري نصر الله، فهي الأشهر ولقيت صدى طيبا لدى الجمهور، كما أنني غنيتها بإحساس عميق نتيجة مشاهدتي بعض مشاهد الفيلم قبل أدائها».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق