شيماء الجمال- مجلة المرأة اليوم
الصور من المصدر
امرأة فوق القمة، خبر ليس غريباً إلى أن تعرف أن هذه القمة ليست قمة العمل الإداري أو مؤسسة حكومية لكنها قمة جبل كليمنجارو!
ويبقى الأغرب، أن هذه المرأة مصرية، تعيش في وسط المدينة، وكان أقصى ارتفاع اجتازته في حياتها هو الدور الخامس في عمارة سكنية، ويبقى الأهم أنها زوجة وأم لأربعة أطفال.. ويظل المدهش أنها لم تمارس الرياضة حتى سن الخامسة والثلاثين، فما سر هذا الانقلاب؟ وما الهدف من وراء تلك المغامرة المجنونة التي كان يمكن أن تدفع حياتها ثمناً لها؟
نادية العوضي، امرأة عادية، ملامحها تبدو هادئة، ملابسها بسيطة، لا يوجد في كلامها، وحركتها، وحتى طبيعتها الجسمانية مَنْ يقول إن هذه المرأة يمكن أن تتحدى هذا الارتفاع الشاهق، وتتسلق هذه القمة العالية.
تسلق قمة أعلى جبل في أفريقيا مغامرة كبيرة، كيف بدأت الحكاية؟
عندما وصلت لسن 35 اتخذت قراراً استراتيجياً بالبدء فوراً بممارسة الرياضة والاهتمام بصحتي لأني كطبيبة أعلم أن المرأة بعد وصولها لمنتصف الثلاثينيات إذا لم تمارس الرياضة وتحسن من نظامها الغذائي ستشيخ مبكراً، لأن وظائف الجسم ومعدلات التمثيل الغذائي تختلف بتقدم سن المرأة كما تعلمون. بدأت التريض بشكل غير منتظم لمدة ثلاث سنوات، وبدأت أشعر بالفعل بتحسن شديد في صحتي وبأن هناك طاقة تدب بداخلي فبدأت في ممارسة الرياضة بانتظام من خلال الذهاب للجيم والسباحة وركوب الدراجات والخيل.
زادت ثقتي في قدرتي على ممارسة أنواع أصعب من الرياضة، وأصبحت أحلم بما لم أكن أجرؤ على الحلم به ومارست رياضات أصعب وأخطر مثل الـ "بنجي جمبنج" وهي رياضة تعتمد على القفز من ارتفاعات مختلفة، وهكذا لم يكن تسلق الجبل مغامرة غير محسوبة أو مخاطرة متهورة، بل جاء بعد استعداد نفسي وجسدي كبير.
هل أنت امرأة رياضية بالأساس؟
تربيت في أمريكا حيث يتضمن الروتين اليومي للأطفال الركض وركوب الدراجات، لكنني لم أمارس أي رياضة بانتظام.
ولماذا قررت أن تتسلقي جبلاً؟
دائماً ما تمنيت العيش بصحبة جبل ما، فلكل جبل شخصية مستقلة تماماً كالإنسان، وقد تأثرت كثيراً بقراءاتي عن الجبال خصوصاً عن جبل أُحد، كما قرأت كثيراً عن تجارب أناس تسلقوا جبالاً وكيف تأثروا بالتجربة، فقررت أن أتوقف عن قراءة التجارب الممتعة وأن أعيش تجربتي الخاصة.
هذا بالإضافة إلى أن اهتمامي الشديد بالبيئة وعشقي للطبيعة جعلني اكتشف أن كل الأماكن السياحية قد تبدو متشابهه بفعل العولمة التي لم تستطع التأثير أبدأً على الطبيعة التي خلقها الله، وهذا ما أقنعني أن السياحة الحقيقية هي زيارة الأماكن البيئية التي لم تتدخل فيها أيدي البشر.
لماذا وقع اختيارك على جبل كليمنجارو وهل هو أول تجربة لك؟
تسلقت من قبل جبل موسى وجبل سانت كاترين الذي يعد أعلى قمة في مصر، ولكني شعرت بأنني أريد المرور بتحدٍ أكبر وفكرت في كليمنجارو أعلى قمة في إفريقيا لعدة أسباب: أولاً لأنني لا أملك مهارات تسلق الجبال وبالتالي فكرت في جبل يحتاج فقط لقدرة جسدية عالية، وأن يكون الصعود عليه بالأقدام وبدون معدات أو أنابيب أكسجين بالإضافة إلى أنني لم أجرب الارتفاعات الشاهقة جداً كإفرست مثلاً ولا أعرف تقبل جسدي لها من حيث تحمل الضغط ودرجة الحرارة المنخفضة جداً وأعجبتني فكرة أن الجبل في القارة التي أنتمي إليها.
هل أنت فعلاً أول امرأة مصرية تصل لقمة كليمنجارو كما يقال؟
لا هذه إشاعة أو ربما خطأ من إحدى المطبوعات، أنا المصرية الرابعة أو الخامسة ممن تسلقن كليمنجارو، ولكني أعتقد أنني أكبر مَنْ تسلقن الجبل سناً، فجميعهن كن في العشرينيات وأنا الآن عمري واحد وأربعون عاماً.
كيف استعددت بدنياً "رياضياً" لهذه المغامرة؟
قبل الرحلة بحوالي أربعة أشهر كنت أتدرب يومياً سواء في الجيم أو بممارسة رياضات أخرى كالسباحة وركوب الخيل والدراجات، وعندما مللت الجيم كنت أرتدي الحذاء الخاص بتسلق الجبل وأضع حقيبة وزنها حوالي 9 كيلوجرامات على ظهري وأصعد سلم البناية التي أقطن بها لمدة ساعة لأضع نفسي في أجواء الرحلة.
وما أكبر التحديات التي تغلبتِ عليها في الرحلة؟
تسلق كليمنجارو تطلب بذل مجهود بدني رهيب خاصة الصعود على المنحدر لمدة أربع أيام ونصف اليةم مع نسبة الأكسجين التي تقل كلما صعدنا إلى الأعلى حتى تصل إلى 50% أقل من المعدل الطبيعي، وهذا كفيل بأن يصيب المرء بالغثيان وصعوبة التنفس وهذا ما حدث لي في اليوم الأول حيث لم أستطع تناول أي طعام بالإضافة لارتدائي الحجاب وهو ما جعل الموضوع صعباً بعض الشىء، أما الجو فلا يمكنني التحدث عن درجة برودته خاصة في اليوم الأخير على القمة.. لقد تجمدت بالفعل!
كيف استقبلت أسرتك المغامرة الخطيرة؟
"تبتسم" لا أدرى لماذا أسأل هذا السؤال دائماً، أسرتنا مترابطة جداً ويحترم كل فرد حرية الآخر، وقد احترمت أسرتي رغبتي في خوض هذه التجربة خاصة أنهم كانوا متابعين لأنشطتي الرياضية في الآونة الأخيرة، وعلموا أنني استعددت جيداً لتسلق الجبل، وقد جاء رد فعل والدي غريباً بعض الشىء حيث لامني واتهمني بأنني عدت أمارس أفعال المراهقة من جديد ونصحني بأن أنضج.
كيف تقيِّمين هذه التجربة وما الدروس التي خرجتِ بها؟
تقييمي لهذه التجربة إيجابي جداً والحمد لله لأنني من النوع المتفائل، كما أنني أنظر للفائدة التي أجنيها من كل التجارب التي أمر بها، خرجت من هذا التجربة بنتيجة رائعة وهي أنه يمكنني أن أحقق أحلامي بالدراسة والتخطيط، فحلم الصعود لكليمنجارو كان يبدو مستحيلاً في البداية ولكن مع الإصرار وبالتخطيط المناسب أصبح حقيقة. كل موقف صغير مررت به في هذه التجربة تعلمت منه درساً كبيراً مثلاً عند صعودي الجبل كان يجب أن أصعد وفقاً لقدرة جسدي وإمكاناتي، كان من المستحيل أن أتحدى الجبل وإلا كنت سأخرج خاسرة خصوصاً أن صعود مَنْ هم أصغر مني في السن بسرعة تفوقني بمراحل كان يستفزني كثيراً، وهكذا ترجمت هذا الموقف في الحياة على أنه يجب أن نسير باتجاه حلمنا على قدر استطاعتنا وأن ندرك أن هناك مَنْ هم أقدر منا على الوصول بسرعة "فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها"، وأثناء صعود الجبل كانت فكرة المسافة الرهيبة التي يجب أن أقطعها تخيفني جداً خصوصاً بعد أن بدأ الإرهاق يصيبني، ففكرت ألا أنظر للأعلى، كنت أنظر إلى قدمي اليمنى وأتساءل: هل باستطاعتي أن أنقل قدمي اليسرى بجوارها، وهكذا حتى وصلت للقمة، وعندما عدت لمصر ووجدت عشرات المهام تنتظرني لأنهيها تذكرت الموقف نفسه فابتسمت وقررت أن أبدأ بأول مهمة دون أن أفكر في الباقي، حتى أنجزتهما جميعاً.
أنت تعملين أيضاً بالإضافة لكونك طبيبة صحفية كيف جاءت هذه التركيبة؟
أنا طبيبة، ولكن بعد تخرجي في الجامعة قمت بعمل ماجستير في "الصحافة العلمية"، وهكذا تخصصت في المجالين اللذين أحبهما الطب والصحافة وأنا حالياً متخصصة في الصحافة العلمية بمعنى تغطية القضايا الصحية والبيئية والعلمية والتقنية.
بدأت حياتي الصحافية في موقع "إسلام أون لاين" التابع لمؤسسة "ميديا إنترناشيونال" وتخصصت في الكتابة في القسم العلمي حتى أصبحت نائب رئيس النسخة الإنجليزية للموقع، ثم أصبحت مديرة العلاقات الثقافية الخارجية بالمؤسسة، وأيضاً أنا مديرة مكتب مصر لمركز الاتحاد الدولي للصحفيين العلميين.
تمارسين الرياضة وتسافرين كثيراً وتشغلين المناصب وأم لأربعة أطفال.. كيف تستطيعين فعل كل هذا؟
الفكرة كلها أنني لم أبدأ في القيام بكل هذا في الوقت نفسه، في أول سبع سنوات من زواجي قمت بإنجاب أبنائي الأربعة تفرغت تماماً لرعايتهم واستمتعت بكوني زوجة وأماً وبعد أن بلغ عمر أصغر أبنائي سنتين بدأت في العمل كصحفية بالمراسلة Freelancing، وعندما دخل المدرسة بدأت في العمل بشكل دائم. وكذلك السفر، أتى على مراحل، كنت أولاً أسافر مرة أو مرتين سنوياً، وعندما كبر أبنائي بدأت أكثر من السفريات، وهذا هو المهم أن تأخذ كل خطوة حقها وأن نقوم بها في الوقت المناسب.
أخيراً ما هي أحلامك القادمة؟
أتمنى أن أصل إلى أعلى قمة في العالم ثم أتبعها ببقية القمم!