روز اليوسف
ترجمة : هالة عبدالتواب
شهد الأسبوع الماضي افتتاح معرض الفنان الفرنسي بال ساركوزي والد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في أحد الفنادق المطلة علي النيل.. وقد افتتح المعرض د.حسام نصار وكيل أول وزارة الثقافة بالنيابة عن الوزير الفنان فاروق حسني والذي أوضح لنا أن اختيار ساركوزي الأب لمصر كمحطة لانطلاق معرضه في الشرق الأوسط بعد العاصمة المجرية بودابست مسقط رأسه إنما يدل علي عمق العلاقات الثقافية المصرية الفرنسية وأن مصر كانت ولاتزال عشق الفرنسيين وولعهم. للوهلة الأولي قد تعتقد أن الفنان يعتمد علي شهرة ونفوذ ابنه ولكنك تجد نفسك أمام فنان يعتمد علي الفكر والخيال والأفكار المجنونة التي استوحي معظمها من حياته التي كانت مليئة بالمحطات كما حكي لنا، أي أن فنه يوازي حياته وحياة أسرته حتي أنك تجد صورة كبيرة لكارلا ساركوزي تتوسط المكان وهي منهمكة في العزف بينما ينظر لها ساركوزي الابن بإعجاب، حوارنا معه كان مميزا وإنسانيا ولم يخل من البساطة والدعابة والوضوح، حكي لنا عن طفولته وطفولة ابنه وقال لنا إن ساركوزي الرئيس عاني كثيرا من قصر قامته منذ كان صغيرا.
هناك علاقة خاصة جدا تربط المصريين والفرنسيين.. هل هذا هو السبب في اختيارك لمصر لإقامة معرضك؟
نعم بالتأكيد، هناك تاريخ طويل من العلاقات الطيبة بين الشعبين وخاصة في وجود الرئيس مبارك وأنا زرت مصر من قبل أكثر من مرة ولكن للأسف كل زياراتي لمصر كانت زيارات عمل، وقد رأيت الأهرامات لكني كنت أتمني أن أسافر علي النيل.
هل أنت مطلع علي الفن المصري وهل تعرف أيا من الفنانين المصريين المعاصرين؟
- لا أستطيع أن أقول إني أعرف الكثير عن الفن في مصر، بالطبع أنا مطلع علي فن الرسم المصري القديم، لكني لا أعرف أيا من الفنانين المصريين المعاصرين، ولم أر أبدا أي معرض لفنان مصري في باريس، لكني أعرف أنه في إطار التعاون الثقافي بين مصر وفرنسا هناك تبادل ثقافي بين البلدين.
وما السبب في رأيك أنه لا توجد أي معارض للرسامين المصريين في فرنسا؟
- لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، فريديريك ميتران، وزير الثقافة الفرنسي، هو من يمكن أن يجيب عن مثل هذا السؤال.
هل يمكنك أن تحدثنا عن بال ساركوزي، نشأتك وشبابك؟
- يمكنكم الاطلاع علي كتابي الذي سيصدر في فرنسا الأسبوع القادم ، بعنوان «أكثر من حياة» tant de vie ، أي أن حياتي كانت أكثر من حياة في حياة واحدة، ويتناول طفولتي كلها، حياتي في المجر، وعندما وصل الروس، اضطرت أسرتي للهروب إلي النمسا، ثم العودة إلي المجر من جديد وفي عام 1948 توفي والدي، فكان يجب علي أن أقضي الخدمة العسكرية في روسيا، وبعدها ذهبت من جديد إلي النمسا حيث التحقت بـ«الفيلق الأجنبي»، وكان ذلك في أثناء حرب الهندوصينية الفرنسية، فسافرت إلي فرنسا، ووصلت إلي فرنسا كما رأيتم في إحدي لوحاتي حافي القدمين، في منتصف شهر ديسمبر، لا يغطي قدمي إلا قطع مهترئة من القماش، وقضيت الليلة نائما في الشارع علي رصيف محطة المترو ومن بعدها بدأت الرسم واسمي بال، وهو اسم مجري، لكنه في فرنسا (اتفرنس) ليصبح بول.
بدأت ترسم في أي عام؟
- أنا دائما أرسم لكني بدأت الرسم في فرنسا عام 1948-1949 وستجدون في المعرض بعض اللوحات من هذه المرحلة، وكان في المعرض بورتريه يرجع تاريخه إلي عام 1949 لكن جامع تحف مصريا اشتراه، فكل لوحاتي معروضة للبيع ما عدا لوحة الرئيس، والسيدة الأولي فهما للعرض فقط أما الباقي فللبيع.
ماذا كنت تعمل قبل تفرغك للرسم؟
- قضيت حياتي كلها في مجال الإعلانات، لقد بدأت حياتي كرسام، لكن بعد أن تزوجت أم الرئيس ساركوزي، كان من الصعب علي رسام شاب يرسم البورتريهات أن يكسب عيشه، فعملت في مجال الإعلانات.. بدأت كمدير فني في إحدي الوكالات الإعلانية، وتنقلت خلال 7 سنوات بين عدة وكالات إعلانية، قبل أن أفتح شركتي الخاصة، لكني طوال الوقت كنت متمسكاً بالعمل الفني ولم أترك الفرشاة أبدا.
أنت أب لرئيس جمهورية، فهل كنت دائما مهتما بالسياسة؟
- أبدا، لم تكن السياسة أبدا من بين اهتماماتي، أبي كان عمدة مدينة في المجر، وجدي لأبي أيضا، لكني أبدا لم أمارس السياسة، لقد كنت دائما فنانا، منذ سن السادسة، عندما تعلمت الرسم مثل كل الأطفال وحتي اليوم وعمري 82 سنة لم أتوقف عن الرسم.
نيكولا ساركوزي هو ابنك الثاني؟
- ابني الأكبر هو جيوم ثم نيكولا ثم فرانسوا، كارولين، أوليفيه.. خمسة لكن ليسوا من نفس الأم، ساركوزي هو ابني الثاني، وقد بلغ الـ 55 مؤخرا وأقمنا احتفالا كبيرا في الإليزيه بعيد ميلاده مع الأسرة.
هل يمكن أن تكلمنا قليلا عن نيكولا الطفل، هل كان عنيدا، مشاغبا..؟
- أظنه كان الأصعب من بين كل إخوته وهو الأكثر ارتباطا بوالدته.. وقد كان قصر طوله يسبب له مشاكل، فلدي من أولادي من هم أطول قامة منه، لكنه أثبت بالدليل أن الطول ليس المعيار، المهم هو ما يحمله الإنسان في رأسه، وقد كانت لديه ذاكرة مدهشة منذ كان صغيرا، وكان يحب القراءة والخطابة كثيرا ولديه قدرة كبيرة علي التعامل مع الأرقام وحفظها.
هل تقصد أنه منذ صغره كانت لديه مؤهلات الرئاسة؟
- نعم أعتقد أنه مخلوق للرئاسة، فقد بدأ في سن صغيرة جدا العمل السياسي، فمنذ أن كان في الجامعة، كان عضوا في حزب الجنرال ديجول، فقد كان أصغر عمدة لمدينة نويي، كان في الـ22 من عمره عندما توفي عمدة نويي في منتصف مدته، فقام المجلس المحلي للمدينة بترشيح ساركوزي بالرغم من صغر سنه. فقد كان أصغر الأعضاء سنا، ولاقي معارضة من الكثيرين، وطالبوه أولا بأن يرتدي بنطلونا طويلا فكانوا يرونه طفلا بشورت، لكنه كان الأصلح، لذلك تم تعيينه.
في رأيك، ماهي عيوب ابنك الرئيس نيكولا ساركوزي؟
- أنا أبوه.. لا أري فيه أي عيوب.. هذا غير ممكن!
إذن فأنت تراه كاملاً؟
- إنه شديد الاستقلالية، إذا كان هذا عيبا.. لديه إصرار كبير، ذو شخصية قوية. وهو يحب الجمال، يحب أن يكون محاطا بالأشياء الجميلة.
أثناء حملته للانتخابات الرئاسية، هل كنت بجواره؟
- بالطبع، كنت دائما معه وكنت أدعمه في لقاءاته التليفزيونية، ولقائه مع الجماهير، وفي رحلاته داخل فرنسا، كنت دائما موجوداً لكن لم أكن أظهر، هناك شيء لطيف آخر أود ذكره، عيد ميلادي في الـ5 من مايو، وقد تم الإعلان عن فوزه في الانتخابات الرئاسية في الـ6 من مايو 2007 لذا فأنا أعتبر فوزه أحسن هدية قدمها لي في عيد ميلادي.
أنت الآن تتابع خطوات ابنك كرئيس لفرنسا، هل أنت موافق علي سياساته؟ - كما تعلمون ، فإن ساركوزي قضي في الرئاسة عامين ونصفا حتي الآن، لكنه بدأ فترة حكمه مع الأزمة الاقتصادية العالمية والتي أثرت بالتأكيد علي فرنسا. إن فرنسا دولة كبيرة لكن بالتأكيد هذا الكساد العالمي كان له تأثير.
هل يمكنك أن تقدم لنا وصفة سحرية لتربية الأبناء ليصبحوا رؤساء؟
- الأمهات هن اللائي يربين الأبناء، وليس الآباء، أنا اليوم في الـ82 من عمري وأعمل أحيانا 12 ساعة في اليوم، عندما كنت شابا كنت أعمل أكثر من ذلك بكثير فهناك دائما فواتير يجب دفعها ومصاريف للمدارس والجامعات، فلم أكن متواجدا دائما بجوار أبنائي، لذا فأنا أعتقد أن تربية الأبناء دور الأم بالأساس.
لكن لم تكن لك لحظات خاصة مع ابنك نيكولا؟
- بالتأكيد في الأعياد الكبيرة، نجتمع كلنا لنحتفل سويا، مع إخوته غير الأشقاء وأمه، التي يزورها كل أسبوع. وقد احتفلنا بعيد ميلادها في الـ25 من يناير الماضي.
في رأيك، إذا لم يكن نيكولا ساركوزي رئيسا للجمهورية، ماذا كان سيعمل؟
- نيكولا كان محاميا معروفا ومارس المحاماة طويلا، لذلك إذا لم يكن رئيسا كان سيستمر في مهنة المحاماة.
لقد رسمت كارلا، لماذا؟
- أنا أحب كارلا كثيرا.. فهي لطيفة جدا ورقيقة، سيدة أولي بمعني الكلمة.
رسماتك تحمل نوعا جديدا من التقنية هل من الممكن أن تحدثنا عنه؟
- أقوم في البداية برسم خمس أو ست أفكار للوحة، نأخذ منها نسخة بالاسكانر علي الكمبيوتر، ثم نضيف الألوان والتصميمات عن طريق الفوتوشوب ونطبعها علي لوحات كبيرة.
جسم المرأة، أو المرأة عموما عنصر متكرر في لوحاتك؟
- بالتأكيد، فبدون امرأة لا توجد حياة لا يوجد أي شيء، المرأة أهم من الرجل بالتأكيد.
لكن المرأة في اللوحات تظهر عارية أحيانا، أو غاضبة أو محبطة؟
- كل لوحة لها حكايتها، لذا يجب التوقف عند كل لوحة لأشرح لكم ما وراءها.. لكن علي سبيل المثال هناك لوحة «الفضيلة والرذيلة»، وهي لوحة الراهبة العارية وتظهر التناقض في شخصية المرأة، فهي محتشمة وتصلي وتظهر الجدية بينما هي في الحقيقة ليست كذلك.. فتبين الشخصية المزدوجة للمرأة فهي في الجزء العلوي مغطاة وتصلي، وتعطي الانطباع أنها جادة، لكن نصفها السفلي عار. وفي لوحة أخري رسمت امرأة عارية من نصفها العلوي ونصفها السفلي محاط بغطاء سميك فهي عذراء.. والاثنتان تعبران عن الازدواجية في شخصية المرأة، لكن في الأولي الرذيلة هي حقيقة المرأة وفي الثانية الفضيلة هي الطاغية.
وماذا عن اللوحة التي توجد بها نصف امرأة عارية وممتدة الجذور في الأرض؟
- هذه اللوحة تمثل الأم التي تسعي للاستقرار تحاول وضع جذورها في الأرض وتكوين أسرة، فهي مجهدة وتحارب من أجل بقائها، إنها التضحية التي هي أصعب أنواع المعاناة.
وماذا عن لوحة حواء التي يخرج منها الثعبان؟
- هذه هي حواء.. آدم لم يأكل التفاحة بعد.. هذا هو الجانب السيئ في المرأة التي تحاول دائما أن تغوي الرجل.. فإحدي يديها تتحول إلي ثعبان.. يقدم التفاحة لآدم.
هل تعتقد أن الشيطان جزء من المرأة؟
- نعم.. فالمرأة تستخدم أسلحتها لغواية الرجل.
ما هي أكثر اللوحات التي تعبر عنك؟
- هناك لوحة تعبر عن حالتي عندما وصلت إلي فرنسا، وأنا جندي في الفيلق الأجنبي، ملابسي في حالة مزرية وقضيت الليلة علي الرصيف.
- مبتسم فيها لأن العبرة بالنهاية وفي يدي الفرشاة والألوان.. كذلك لوحة الحمار الوحشي، تمثل معاناة المهاجرين مثلي في محاولة التأقلم مع المجتمع. هذه اللوحة اسمها «لاجئ في نيويورك».. الحمار الوحشي مهاجر يصل إلي الولايات المتحدة.. نراه وهو يخشي عبور الطريق.. يحاول أن يتأقلم بأقصي سرعة.. فيخلع خطوطه ويبدأ في وشم نفسه وتغيير جلده.
وماذا عن لوحة الطوابع؟
- كنت أعرض هذه اللوحات في معرض في هولندا، وقامت الحكومة بإصدار طوابع رسمية تحمل اللوحة التي رسمتها لنيكولا تكريما له، فعلي الفور، قمت بإرسال رسالة بالبريد إلي قصر الإليزيه عليها هذه الطوابع الجديدة ليراها الرئيس.
وماذا عن لوحة كرة القدم، هل أنت مهتم بالكرة؟ وهل تمارس أي رياضة؟
- لا.. هذه اللوحة تسخر من كرة القدم التي تحولت إلي تجارة.. أطلق عليها لعبة الكرة الذهبية لأن لاعبي كرة القدم يكسبون بالملايين، ليست الرياضة كلها هكذا.. لكن كرة القدم، والتنس بوجه خاص تحولتا إلي تجارة، وأنا لا أمارس أي رياضة فأنا في الـ82 من عمري.. أحافظ علي ما بقي من قوتي للنساء!!
وما رأيك في قرار منع النقاب الأخير في فرنسا؟
- إنها ليست مسألة منع الحجاب، فلا يمكن أن نسمح للكاثوليكيات بارتداء صليب كبير، ولا اليهود يرتدون نجمة صفراء.. فرنسا دولة علمانية، تدخلها وتترك دينك بالخارج إذا كنت فعلا تريد أن تندمج في المجتمع الفرنسي.
يمكنك أن تندمج في المجتمع كعربي معتدل.. ثم إن تغطية الوجه نوع من تحقير المرأة.. المرأة ليست عبدا!
أنت رسمت صورة عن مصر؟
- هذه اللوحة رسمت فكرتها المبدئية منذ أكثر من 30 سنة، وفيها تظهر الأهرامات والجمل مزين بنقوش أفريقية.. وتعبر عن الشرق.. ونحن سنقيم معرضا لهذه اللوحات والمزيد منها في باريس في الـ 24 من أبريل القادم، وسيحضره ابني وكارلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق